تدمير الأبراج السكنية في غزة: سلاح الاحتلال لاقتلاع المدنيين

تدمير الأبراج السكنية في غزة: سلاح الاحتلال لاقتلاع المدنيين
تقارير وحوارات

غزة/ دعاء الحطاب:

يشكّل استهداف الأبراج السكنية في قطاع غزّة أحد أبرز وجوه العدوان المتكرّر الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي، إذ تتحوّل هذه الأبراج من رموز عمرانية وحضارية إلى أهداف عسكرية مقصودة، في محاولة لاقتلاع المدنيين من بيئتهم الحضرية ودفعهم قسرًا نحو النزوح.


على مدار 23 شهراً من حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، يحاول جيش الاحتلال الإسرائيلي جاهدة لإفراغ مدينة غزة من سكانها واعادة احتلالها، عبر استخدام أدوات وأساليب الضغط العسكري والسياسي كافة، إلا أنها لم تنجح أمام صمود وتمسك المواطنين بأراضيهم.


ومؤخراً لجأت "اسرائيل" إلى استهداف الأبراج والعمارات السكنية العالية في محاولة لترهيب المواطنين وكسر الروح المعنوية لديهم، وإجبارهم على مغادرة منازلهم والنزوح جنوباً، أو التفكير في الهجرة إلى الخارج كجزء من سياسية " التفريغ الصامت".


ولم يكن تدمير الأبراج السكنية بالقطاع سياسة طارئة فرضتها الحرب الحالية، بل هو نهج قديم يوظفه الاحتلال الإسرائيلي ضمن أدوات الضغط العسكري والسياسي على المقاومة الفلسطينية عبر إيذاء السكان.


فمنذ استهداف برج "الظافر" عام 2014، مرورا بهدم ثلاثة أبراج رئيسية خلال أقل من 24 ساعة في عدوان مايو/أيار 2021، وصولاً إلى قصف برج مُشتهى الجمعة الماضية، تتكرر الاستراتيجية ذاتها: العقاب الجماعي، والضغط على المقاومة، وتحويل العمران المدني إلى ركام بهدف تشريد الفلسطينيين.

 

ودمّر الجيش الإسرائيلي، السبت الماضي، بالإضافة الى برج مشتهى، برج "السوسي" المكون من 15 طابقا ويضم أكثر من 60 شقة، غربي مدينة غزة، غداة تدميره برج "مشتهى" بالمدينة نفسها الجمعة، وذلك ضمن هجمته على المدينة وخطة احتلالها، كما دمر الاحتلال أمس الاحد عمارة الرؤيا في مدينة غزة.


ووفقاً لبيانات رسمية، فإن عدد الأبراج والعمارات السكنية متعددة الطوابق في مدينة غزة تبلغ حوالي 51,544 في مدينة غزة وحدها.


وتتوزع الأبراج والعمارات على النحو التالي: عدد العمارات السكنية ذات الطابق الواحد يبلغ 902 مبنًا سكنيًا، وعدد العمارات السكنية ذات الطابقين الاثنين يبلغ 4,448 مبنًا سكنياً.


أما عدد العمارات السكنية ذات الثلاثة طوابق فيبلغ 4,275 مبنًا سكنيًا بينما عدد العمارات السكنية ذات الأربعة طوابق 8,429 وذات الخمسة طوابق 10,060 مبنًا سكنيًا وذات الستة طوابق: 11,677 وذات السبعة طوابق 11,656 مبنى، فيما يبلغ عدد المباني السكنية غير محددة الطوابق 97 مبنى.


أهداف عدة


المحلل والكاتب السياسي د. سعيد محمد ابو رحمة، أكد أن التركيز على استهداف الأبراج السكنية بعد مرور 23 شهراً على حرب الإبادة لا يندرج في سياق العمليات العسكرية الاعتيادية، بل هو جزء من سياسة إسرائيلية ممنهجة تهدف لتحقيق جملة من الأهداف المتداخلة نفسياً وسياسياً وعسكرياً.


وأوضح أبو رحمة لـ "الاستقلال"، أن الاحتلال يهدف إلى كسر الروح المعنوية وإحداث صدمه نفسية عميقة لدى المواطنين الذين اعتادوا التعايش مع أجواء الحرب ورفضوا النزوح جنوباً، إلى مغادرة منازلهم من شدة الخوف والهلع، وربما التفكير بالهجرة خارج القطاع، كجزء من سياسة " التفريغ الصامت".

 

وأشار إلى أن استهداف الأبراج يأتي في محاولة لزعزعة شعور المواطنين بالأمان والاستقرار حتى في حياتهم اليومية، باعتبارها رمزاً للمدينة والبقاء.

 

كما يهدف الاحتلال من وراء تدمير الأبراج لضرب ما تبقى من رموز حضرية ومعمارية للمدينة، ومحو الذاكرة الجمعية للفلسطينيين وتحويل غزة إلى مساحة من الخراب والأنقاض. بحسب أبو رحمة.

 

وبين أن الاحتلال يسعى إلى إرباك حسابات المقاومة عبر سلسلة صدمات متتابعة، بحيث يصعب عليها فهم النمط الإسرائيلي أو التنبؤ بخطواته، مما يمنح الاحتلال فرصة الإمساك بزمام المبادرة وتحديد مسار الحرب.


ونوه الى أن الاحتلال يحاول الإيحاء بأن لا منطقة آمنة في غزة، وأن المدنيين هم جزء من المعركة، بهدف خلق رأي عام داخلي وخارجي مهيأ لأي حلول قسرية، بالإضافة لإفشال أي تصور لحكم مدني مستقر بعد الحرب، فـ"اسرائيل" تريد أن تترك غزة بلا بنية تحتية أو مقومات إدارية لحكمها.

 

ولفت إلى أن "إسرائيل" توجه رسالة إلى المجتمع الدولي مفادها "أن الحرب ما تزال في أوجها، وأن "إسرائيل" لن تستجيب لأي دعوات لوقفها قبل تحقيق أهدافها كاملة وفق منظورها الخاص"، فهي تريد من العالم الاستمرار في منحها الوقت والغطاء السياسي لمواصلة العمليات العسكرية.


ويستبعد أبو رحمة، أن ينجح الاحتلال في سياسته من خلال هدم الأبراج، "لكون هذه السياسة نجحت جزئياً في المرحلة الأولى من الحرب، لكن تجربة السكان أثبتت أن هذا التكتيك لم يعد فعالاً بالشكل الذي كانت تأمله "إسرائيل"، بل أظهر صموداً مدنياً كبيراً".

 

استكمالاً لحرب الإبادة


وبدوره، يري رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد)، د. صلاح عبد العاطي، أن الاستهداف الإسرائيلي الممنهج لما تبقي من أبراج وعمارات سكنية في مدينة غزة، حرب بحد ذاته، وجزءاً من استكمال جريمة الإبادة الجماعية الهادفة إلى تهجير سكان المدينة قسراً.

 

وأوضح عبد العاطي خلال حديثه لـ " الاستقلال"، أن إزالة مبانٍ سكنية في مناطق مأهولة يمثل انتهاكاً جوهرياً لالتزامات القانون الدولي الإنساني فيما يخص التمييز والتناسب والحماية التتبعية للسكان المدنيين.


وبين أنه وفقاً للقانون الدولي فإن كلّ هجوم يطال منشآت سكنية يتطلب من الطرف المهاجم، أن يثبت هدفاً عسكرياً محدداً وأن يتخذ كلّ الاحتياطات الممكنة لتجنّب أو تقليل الأذى المدني، وإلا فإنه يرتقي إلى عمل غير مشروع يشكّل جرائم حرب.
ونوه الى أن ما يقارب مليون فلسطيني نزحوا قسراً للعيش في المباني والابراج والمراكز الإيواء غرب المدينة.


ويهدف الاحتلال من وراء ازالة الأبراج السكنية بمدينة غزة، الى إعادة احتلال المدينة وفرض الحكم العسكري عليها، وإفراغ غزة من سكانها عبر عمليات تدريجية تبدأ من الشمال، ودفعهم للمنطقة الوسطى تحت وطأة المجاعة والإبادة. وفق عبد العاطي.


وأضاف :" أن الاحتلال لاحقاً ووفق مخططاته يراد دفع المواطنين من المحافظة الوسطى نحو مدينة رفح جنوباً، للإقامة في معسكرات اعتقال نازية، وصولاً لدفعهم نحو الهجرة القسرية، أو الهجرة الطوعية ـ كما يدعي الاحتلال- ".


وأكد أن المجتمع الدولي ينظر لهذه الخطوة بخطورة بالغة، باعتبارها جزء من جرائم الإبادة الجماعية، مستدركاً:" في الوقت الذي يطالب فيه العالم لوقف الإبادة بغزة، إلا أن "إسرائيل" تواصل الحرب بقوه وبدعم أمريكي لا محدود".

 

وشدد على ضرورة تشكيل حراك دولي يصل إلى عصيان مدني شامل عالمي من أجل حماية ما تبقي من معالم ومباني أثرية بالقطاع وحماية السكان المدنيين، الامر الذي يتطلب ضغطاً وفرضاً للعقوبات على "إسرائيل" من أجل وقف حرب الإبادة الجماعية وسياسة الإفناء و التدمير بالقطاع.

التعليقات : 0

إضافة تعليق